*حقيقة الجذبة*
لا يمكن لأيّ شيء أن يحقق لنا الجذبة والتوفيق [...] لأن المسألة متعلقة بالإستغناء التام. فليس الأمر على نحوٍ يدأب فيه الإنسان على الصلاة حتى ينظر إليه الإمام أو يعكف على تلاوة القرآن لينال تلك النظرة. أوَلم يكن قَتَلة أمير المؤمنين عليه السلام تالين للقرآن؟
في إحدى المرات، كان يمر ميثم برفقة أمير المؤمنين عليه السلام في أحد أزقة الكوفة، فلفت انتباهه صوتٌ يرتّل القرآن، وقال: يا مولاي، هنيئاً لصاحب هذا الصوت الذي يرتّل القرآن. فأجاب حضرته قائلاً: تعساً له. تعجّب ميثم وسأل مولاه: لمَ ذلك؟ فأجابه الإمام عليه السلام: صاحب هذا الصوت هو قاتلي.
لا تُحقق حساباتنا تلك الجذبة والاتصال والقابلية التي نصبو إليها. فهناك حقيقة واحدة في العالم تنتقل من الذات إلى الصفة ومن الصفة إلى الفعل. وقد وصل هذا المظهر والمشهد والتحقق والحقيقة إلى الظهور التام في عاشوراء. أما بنظرنا نحن، فالقاعدة هي كالآتي: ينبغي أولاً أن يصبح الإنسان مسلماً وشيعياً ثم يؤدي الأعمال العبادية بالفعل ليحصل بعد ذلك على جذبة الإمام فيناديه قائلاً: تعال إلينا! هكذا هي حساباتنا.
وصلت قافلة سيد الشهداء عليه السلام إلى إحدى واحات التخيل وكان عليه السلام على صهوة جواده. وحينما لم يكن يمتطي جواده، كان يتواجد مع السيدة زينب عليها السلام في الهودج نفسه وهو لم يبتعد عن هودجها أبداً حتى أثناء امتطائه الجواد، إذ كان يدري أن قلبها لا يحتمل الإبتعاد عنه. لدى وصوله إلى واحة النخل، وقف عليه السلام في مقدمة القافلة التي توقفت خلفه. وكان هناك شاب يعمل في الأرض فوقف ذلك الشاب حينما وقف الإمام الحسين عليه السلام. توجه الحسين عليه السلام نحو النخيل فتوجه ذلك الشاب نحو الحسين عليه السلام. ترجّل الحسين عليه السلام عن جواده، فتقدّم الشاب إليه. نظر الإمام عليه السلام إلى عينيه فتبسّم الشاب. [...]
بعد ذلك، توجه الإمام عليه السلام نحو راحلته، أما الشاب فتوجّه إلى زوجته وقال لها: وداعاً. سألته: إلى أين؟ فقال لها: لا أدري من هو ذلك الفارس الذي لم يُبْقِ مني شيئاً. فقالت والدته: يا وهب، إنه أول يوم لك في حياتك الجديدة، إلى أين أنت ذاهب؟ فقال: أماه، إني راحل. عندها، قالت له والدته وزوجته: إننا آتيتان معك أيضاً. كان هذا الرجل نصرانياً، فأين الإسلام وأين الصلاة وأين العبادة، إذاً؟
لقد انتقل من الذات إلى الصفة ومن الصفة إلى الفعل لأنه انفنى في تلك الحقيقة. وهذه المسألة محصورة بكربلاء وعاشوراء فحسب، ولا يمكن إيجادها في أي مكان آخر، فهي لا تتطلب أية مقدمات وليس فيها أي وقت أو فواصل زمنية أصلاً.
من نفحات العارف الربانيّ آية اللّه الكربلائي السيّد أحمد النجفي دام ظلّه، في كتاب حسين سيّد الشهداء حقيقة بلا انتهاء ص٢٥١-٢٥٥
---------------------------
https://mobile.twitter.com/agha_najafi
http://t.me/aghanajafi
https://m.facebook.com/NajafiAgha
https://www.instagram.com/agha.najafi
http://aghanajafi.blogspot.com
Comments
Post a Comment